صعود اليمين- تطرف اليسار، وعود زائفة، وحلول وهمية.

المؤلف: بشرى فيصل السباعي10.14.2025
صعود اليمين- تطرف اليسار، وعود زائفة، وحلول وهمية.

في الآونة الأخيرة، برزت قوى اليمين المتطرف على الساحة العالمية، وتمكنت من الوصول إلى السلطة بطرق لم نشهدها من قبل. لطالما كان اليمين مصدراً للقلق، نظراً لميوله نحو المواجهات والسياسات الراديكالية التي تزعزع الاستقرار وتقوض التوافقات المجتمعية الراسخة. هذا الصعود يأتي في ظل هيمنة التيارات اليسارية على الثقافة العالمية، والتي وصلت إلى حد التطرف في بعض القضايا، مثل دعم المثلية الجنسية. هذا هو جوهر المسألة: تطرف اليسار أوجد رد فعل يميني معاكس، لم يكن ليجد له قاعدة شعبية لولا هذا التطرف. إضافة إلى ذلك، فشل اليسار في تحقيق وعوده بالرخاء وتحسين الأوضاع المعيشية. قد لا يكون من العدل إلقاء اللوم على اليسار وحده في المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها العديد من الدول، فالعوامل الدولية غالباً ما تتجاوز قدرة السلطات المحلية على التأثير فيها. ومع ذلك، استغل اليمين حالة الإحباط من الوعود اليسارية، وأطلق وعوداً وردية بتحقيق الازدهار واستعادة الأمجاد الوطنية الغابرة. ولكن، عندما يعجز اليمين عن تحقيق هذه الوعود، ستنقلب الأمور رأساً على عقب، وسيتجه الناس نحو اليسار. وكلما كان اليمين أكثر تطرفاً، كلما كان تحول الرأي العام نحو اليسار أسرع، كما حدث عند انتخاب باراك أوباما. لكن الحقيقة هي أن تحقيق الرفاهية والعظمة لا يعتمد على وصول تيارات اليمين أو اليسار إلى السلطة، بل يعتمد على شخصية الرئيس وعقليته ومدى فهمه العميق لآليات عمل الدولة، وخاصة ما يسمى بـ "الدولة العميقة". إن فشل اليمين واليسار في إدارة الدولة غالباً ما يعود إلى شخصية الرئيس وعقليته، وليس إلى التيار الذي يمثله. لذا، فإن وصول اليمين إلى السلطة في مختلف أنحاء العالم لن يحقق آمال الشعوب، ما لم يكن من وصلوا إلى السلطة من فئة التكنوقراط والخبراء والمتخصصين، الذين يمتلكون فهماً عميقاً لآليات عمل الدولة. غالباً ما لا تضمن الانتخابات وصول هذه الفئة المؤهلة إلى السلطة، لأنهم لا يمتلكون في الغالب الشخصية الجماهيرية التي تتمتع بقدرات استعراضية تجذب الجماهير. لقد أصبحت الانتخابات أشبه بمسابقات اختيار أفضل نجم غناء، وغالباً ما يكون أصحاب المهارات الاستعراضية هم أسوأ من يمكن أن يصل إلى السلطة، سواء كانوا من اليمين أو اليسار. للأسف، الشعوب لا تتعلم من أخطاء الماضي ولا تتعظ بأخطاء الآخرين. وغياب الخطاب الفكري المتعمق الذي يوعي الشعوب بهذه الحقائق يتسبب في انجراف التيار الشعبي وراء انتخاب الأكثر نجومية بدلاً من الأكثر تأهيلاً وكفاءة. ومع ذلك، مما يعزز فرص استمرارية سيطرة اليمين المتطرف هو تبنيه قضايا تثير قلق الرأي العام، مثل الهجرة، خاصة مع ارتفاع معدلات الجريمة والعمليات الإرهابية التي يرتكبها المهاجرون، والشعور بتهديد الهوية القومية من وجودهم. اليسار لا يملك حلولاً لقضية المهاجرين، سواء كانوا شرعيين أو غير شرعيين. ومع العلم أنه من الناحية الواقعية، تحتاج الدول الغربية إلى المهاجرين بسبب انخفاض معدلات المواليد، وللقيام بالمهن التي يترفع المواطن الغربي عن العمل بها. على سبيل المثال، تشير دراسة حديثة لمؤسسة برتلسمان الألمانية إلى أن ألمانيا تحتاج إلى تدفق سنوي يتراوح بين 288 ألف و 368 ألف مهاجر. لذا، فإن وعود اليمين بالتخلص من مشكلة المهاجرين هي غير قابلة للتحقيق على أرض الواقع. في فترة رئاسة ترامب الأولى، عندما ساهمت سياساته في توفير فرص عمل في المصانع الأمريكية للمواطنين، تفاجأ بأن المواطنين يترفعون عن العمل فيها، خاصة أن الرواتب غير مجزية. ولذلك، كان عمل المهاجرين هو الوسيلة الوحيدة لبقائها. ولكن بسبب التضييق على المهاجرين، قامت العديد من الشركات الأمريكية بنقل مصانعها إلى المكسيك. إذن، فالسياسات المتطرفة التي يعد بها اليمين المتطرف تصطدم بواقع معقد. الوعود الوردية التي يطلقها اليمين المتطرف تقوم على تبسيط غير واقعي لأسباب كل الأحوال غير المرضية للجمهور. الخطاب الفكري المتعمق يفترض أن يوعي الجمهور بهذه الحقيقة، لكي تكون خياراتهم أكثر واقعية وليست مدفوعة بالأحلام الطوباوية التي لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة